مشروع قانون المالية 2026.. كتلة الأجور بـ 5.926 مليار دينار.. و2812 مليار دينار للدعم الاجتماعي

إعــداد: نجمــة نت
قدّمت لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني تقريرها التمهيدي حول مشروع قانون المالية لسنة 2026، في سياق اقتصادي واجتماعي وطني ودولي متقلب، يتّسم بتزايد التحديات الداخلية وبروز تحوّلات عالمية مؤثرة على الأسواق والاقتصادات.
ويهدف المشروع إلى تعزيز النمو، ترشيد الإنفاق العمومي، وضمان توزيع عادل للثروات، ضمن رؤية تنموية تمتد إلى غاية 2028، تسعى إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام، قادر على تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية والنمو الإنتاجي.
🔸 أولا: أهداف المشروع واستراتيجيته العامة
يرتكز مشروع قانون المالية لسنة 2026 على جملة من الأهداف الاستراتيجية الكبرى، التي تشكّل الإطار العام للسياسات المالية والاقتصادية للدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة، من بينها:
-
تعزيز التحول الاقتصادي الوطني وتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الريع النفطي.
-
ضمان استقلالية أكبر للاقتصاد الوطني من خلال دعم الإنتاج المحلي وتقليص التبعية للموارد التقليدية.
-
تحسين جودة الخدمات العمومية في قطاعات التعليم، الصحة، والسكن، مع التركيز على الرقمنة وتوسيع نطاق التغطية الاجتماعية.
-
تعزيز الشفافية والحوكمة في تسيير المال العام وضمان الاستدامة المالية على المدى المتوسط والطويل.
-
تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية عبر توزيع متوازن للموارد بين فئات المجتمع ومناطق الوطن.
ويمثّل هذا المشروع – بحسب لجنة المالية – محطة مفصلية في مسار الإصلاح المالي والاقتصادي، ويجسّد إرادة الدولة في تبني نموذج تنموي جديد قائم على الإنتاج، العدالة، والاستدامة.
🔸 ثانيا: المعطيات الاقتصادية والتوقعات المالية
خلال عرضه أمام اللجنة، قدّم وزير المالية عبد الكريم بوالزد عرضًا شاملاً تضمّن أبرز المؤشرات الاقتصادية والمالية المسطرة للفترة 2026–2028، مؤكدًا أنّ الحكومة اعتمدت منهجًا واقعيًا يرتكز على التحكم في النفقات وتحسين الإيرادات الجبائية.
-
نمو اقتصادي متدرج:
يتوقّع المشروع تسجيل نمو بنسبة 4.1٪ سنة 2026، ليرتفع إلى 4.4٪ سنة 2027 و4.5٪ سنة 2028، مدفوعًا بنشاطات القطاعات غير النفطية، خصوصًا الفلاحة والصناعة والبناء والخدمات. -
تأطير مالي متوازن:
تم تحديد سعر جبائي مرجعي للنفط بـ60 دولارًا للبرميل للفترة 2026–2028، مع توقع استقرار السعر في السوق عند 70 دولارًا، ما يسمح بتقليص العجز تدريجيًا وضمان توازنات الميزانية. -
حجم الميزانية:
تبلغ نفقات الميزانية العامة لسنة 2026 نحو 17.636,7 مليار دينار، مقابل إيرادات بـ8.009 مليار دينار، فيما يُتوقّع ارتفاع الإيرادات إلى أكثر من 8.400 مليار دينار سنة 2028 بفضل تحسن الجباية العادية. -
كتلة الأجور والدعم الاجتماعي:
بلغت كتلة الأجور المقدرة حوالي 5.926 مليار دينار (أي 33.6٪ من إجمالي الميزانية)، بينما خُصّص مبلغ 2812 مليار دينار للدعم الاجتماعي بمختلف أشكاله، منها:-
2284 مليار دينار للمؤسسات العمومية تحت الوصاية.
-
424 مليار دينار للتقاعد.
-
420 مليار دينار لمنحة البطالة.
-
657 مليار دينار للدعم الموجه للمواد واسعة الاستهلاك.
-
🔸 ثالثا: أولويات القطاعات الوزارية
أبرز التقرير التمهيدي تحليلاً قطاعيًا شاملاً يبيّن أولويات وتحديات كل قطاع وزاري، كما يلي:
-
قطاع الصحة:
يركّز على تحسين البنية التحتية، توسيع التغطية الصحية، ورقمنة الخدمات، مع ضرورة معالجة النقص في الموارد البشرية وضمان توزيع عادل للمرافق عبر مختلف الولايات. -
قطاع التربية الوطنية:
يهدف إلى تحسين ظروف التدريس ودعم تكوين الأساتذة، مع التركيز على رقمنة الإدارة ومراجعة البرامج التعليمية للحد من الاكتظاظ. -
التعليم العالي والبحث العلمي:
يسعى المشروع إلى دعم البحث التطبيقي وربط الجامعة بالاقتصاد، مع تحديث المناهج وتوسيع الشراكات مع القطاع الصناعي. -
قطاع الصناعة:
يركّز على تطوير النسيج الصناعي ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتأهيل المناطق الصناعية، غير أن ضعف التنسيق بين القطاعات وغياب مؤشرات الأداء الدقيقة يمثلان تحديات قائمة. -
الطاقة والمناجم:
الأولويات تشمل تعزيز الاستكشاف، تطوير الطاقات المتجددة، وتحسين الحوكمة، إلى جانب تسريع مشاريع التحول الطاقوي وتحسين شروط الاستثمار. -
الفلاحة والتنمية الريفية:
الهدف هو تعزيز الأمن الغذائي، تطوير الزراعات الاستراتيجية، وتحسين تسويق المنتجات الفلاحية عبر تحديث آليات الدعم والرقابة. -
الأشغال العمومية والنقل:
يركز على تأهيل البنى التحتية، تطوير النقل الحضري والذكي، ودعم الخدمات اللوجستية مع تعزيز الصيانة الدورية للطرق والمنشآت الحيوية. -
السكن والعمران:
يتضمن استكمال المشاريع السكنية ودعم السكن الريفي، مع تحسين الشفافية في التوزيع وتسريع وتيرة الإنجاز والتخطيط العمراني المتوازن. -
الشؤون الخارجية والجالية الوطنية:
ترمي الجهود إلى تعزيز الحضور الدبلوماسي، تحسين الخدمات القنصلية، ورقمنة الإجراءات لتقريب الإدارة من الجالية الجزائرية في الخارج.
🔸 رابعا: اللقاءات الوزارية ومناقشة المشروع
في إطار دراسة المشروع، عقدت اللجنة جلسات استماع لعدد من الوزراء، من بينهم:
-
محمد عرقاب (الطاقة والمناجم)،
-
سعيد سعيود (الداخلية والجماعات المحلية والنقل)،
-
كمال بداري (التعليم العالي والبحث العلمي)،
-
محمد صغير سعداوي (التربية الوطنية)،
-
محمد الصديق آيت مسعودان (الصحة)،
-
مراد عجال (الطاقة المتجددة)،
-
نسيمة أرحاب (التكوين المهني)،
-
طه دربال (الري)،
-
محمد بلعريبي (السكن والعمران)،
-
المهدي ياسين وليد (الفلاحة)، وغيرهم.
كما حضر الاجتماع وزير المالية ووزيرة العلاقات مع البرلمان نجيبة جيلالي، التي أكدت على أهمية الحوار بين الحكومة والبرلمان لتعميق دراسة المشروع وتحسين فعاليته التطبيقية.
🔸 خامسا: التعديلات المقترحة على مواد القانون
أدرجت لجنة المالية تعديلات جوهرية على عدد من المواد القانونية لضمان الدقة والوضوح في الصياغة والتنفيذ، أهمها:
-
المادة 23: توضيح آليات تطبيق الضريبة على الثروة واستبدال عبارة “جبايتك” بـ”النظام المعلوماتي للمديرية العامة للضرائب”.
-
المادة 25: إدراج العقوبات الجبائية على التهرب الضريبي عبر أعمال تدليسية وتشديد العقوبات على الفاعلين المتعددين.
-
المادة 89: استحداث إجراء استثنائي للتسوية الجبائية الطوعية قبل 31 ديسمبر 2026 بنسبة 10% دون عقوبات.
-
المادة 117: توسيع الإعفاءات الجمركية لتشمل رؤوس الأغنام والأبقار المستوردة بمناسبة الأعياد الدينية دعماً للقدرة الشرائية.
-
المادة 158: إنشاء آلية خاصة لمنح الامتياز على الأراضي داخل مناطق النشاط المصغرة لفائدة الشباب، مع تخويل الولاة صلاحية الترخيص المباشر.
كما تم إدراج مواد جديدة تتعلق بإنشاء صناديق وطنية جديدة، أبرزها:
-
صندوق التضامن الوطني ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
-
صندوق دعم وترقية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية.
-
الصندوق الوطني لتطوير الصناعة السينماتوغرافية.
-
صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر والتكفل بهم.
🔸 سادسا: توصيات لجنة المالية والميزانية
في ختام دراستها، قدّمت اللجنة مجموعة من التوصيات الهامة، أبرزها:
-
ضرورة ربط الميزانية بمؤشرات كمية ونوعية واضحة لقياس الأداء في مختلف القطاعات.
-
تعزيز التنسيق الأفقي بين الوزارات والمؤسسات العمومية لضمان التكامل في تنفيذ السياسات العامة.
-
تسريع التحول الرقمي في تسيير المالية العمومية والإدارة الحكومية.
-
تحسين الشفافية والمساءلة في تخصيص الموارد ومتابعة المشاريع.
-
دعم الاستثمار المنتج وتوجيه الموارد نحو القطاعات ذات القيمة المضافة.
-
إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في رسم السياسات القطاعية وتقييم نتائجها.
يعدّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 خطوة هامة نحو إصلاح المنظومة المالية الوطنية وتجسيد رؤية الحكومة لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. فهو يجمع بين البعد الاجتماعي والاقتصادي، بين الواقعية المالية والطموح التنموي، ليعكس إرادة الدولة في ترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة والعدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى معيشة المواطن الجزائري، مع الحفاظ على توازنات الاقتصاد الوطني واستقلاله المالي.
التقرير التمهيدي عن مشروع قانون المالية لسنة 2026




