حرب الرمال 1963.. غدر مغربي ضد الجزائر لإشباع الأطماع التوسعية
تُعدّ حرب الرمال التي اندلعت بين الجزائر والمغرب في أكتوبر 1963 شكّلت بداية توتر سياسي مستمرّ ألقى بظلاله على المنطقة لعقود لاحقة.
وعلى الرغم من قصر مدّتها، فإن هذه الحرب تركت آثارًا عميقة في الذاكرة السياسية الجزائرية، باعتبارها صدامًا غير متكافئ فرضته ظروف ما بعد التحرر الوطني.
تعود جذور الخلاف إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، حين أعادت الإدارة الاستعمارية رسم الحدود الغربية للجزائر وهو ما أثار اعتراض المغرب الذي اعتبر أنّ منطقتي تندوف وبشار اقتُطعتا مما يسميه بـ”أراضيه التاريخية”.
ومع استرجاع استقلال الجزائر في 5 جويلية 1962، طالبت الرباط بفتح مفاوضات حول ترسيم الحدود، مستندة إلى اتفاق وُقّع عام 1961 بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية المؤقتة يقضي ببحث المسألة بعد استرجاع الاستقلال. غير أن القيادة الجزائرية الجديدة برئاسة أحمد بن بلة تمسكت بمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، معتبرة أن أي مراجعة بعد استرجاع الاستقلال من شأنها أن تفتح الباب لنزاعات مماثلة في القارة الإفريقية.
المغرب يصدر أزماته بعدوان على الجزائر
في مطلع الستينيات، كان المغرب يعيش وضعًا داخليًا هشًّا بعد وصول الملك الحسن الثاني إلى الحكم سنة 1961. فقد واجه النظام الملكي معارضة قوية من التيار اليساري الممثل في الاتحاد الوطني للقوى الشعبية، إضافة إلى أزمة اقتصادية وتوتر اجتماعي زادت حدتها بعد انتخابات ماي 1963 التي فازت فيها المعارضة بأغلبية الأصوات.
يرى العديد من المراقبين، منهم الصحفي الفرنسي بول بالطا، أن هذه الأوضاع دفعت النظام المغربي إلى توظيف النزاع الحدودي مع الجزائر كوسيلة لتوحيد الجبهة الداخلية، وإسكات المعارضة عبر التركيز على “العدو الخارجي”.
أما الجزائر فكانت، في المقابل، منشغلة بإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد حرب تحرير طويلة، وتعاني من محدودية الموارد وضعف البنية العسكرية النظامية.
وفي ظل هذه الظروف، فُوجئت الحكومة الجزائرية بتصعيد مغربي على الحدود الغربية في خريف 1963.
ومع اندلاع حرب الرمال ندد المعارض المغربي مهدي بن بركة من منفاه بالجزائر، بالاعتداء على الثورة الجزائرية من طرف الملكية الإقطاعية، وهذا ما أعطى فرصة لنظام المخزن لإيهام الأحزاب السياسية بالخيانة، الأمر الذي ساهم في إضعافها بشكل تدريجي، وهذا يدخل في إطار سعي المغرب للقضاء على كل القوى المعارضة للملكية.

مسار العمليات العسكرية
في 8 أكتوبر 1963 اندلعت المواجهات العسكرية بين الجانبين، بعدما تقدمت وحدات مغربية إلى مناطق تنجوب وحاسي البيضاء، وهي مناطق صحراوية نائية تقع على الحدود الجنوبية الغربية للجزائر.
اعتبرت الجزائر ذلك اعتداءً على سيادتها، فأعلنت التعبئة العامة، واستعانت بمقاتلي جيش التحرير الوطني الذين التحقوا مجددًا بالجبهات.
ورغم محدودية تجهيز القوات الجزائرية، فقد تمكنت من تنظيم خطوط دفاعية صلبة ومنع التوغل المغربي في العمق.
شهدت المعارك مناوشات متقطعة وتبادلاً للسيطرة على بعض المواقع الحدودية، فيما بقيت الجبهة مفتوحة على أكثر من محور بين بشار وتندوف وفكيك.
تميزت الحرب بعدم التكافؤ في القدرات العسكرية؛ فالمغرب كان يتوفر على جيش منظم ومدعوم بتجهيز غربي، في حين كانت الجزائر تعتمد على خبرة محاربيها وتجربتهم الميدانية السابقة في حرب التحرير.
إلا أن العامل السياسي والدبلوماسي لعب لصالح الجزائر، التي نجحت في كسب تأييد دولي واسع من دول عربية وإفريقية، أبرزها مصر وكوبا ومالي، بينما ظلّ الموقف الغربي أقرب إلى الرباط.
الوساطة ووقف إطلاق النار
مع تصاعد حدة المعارك وتنامي المخاوف من توسّع النزاع، تدخلت منظمة الوحدة الإفريقية بقيادة الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، إلى جانب الجامعة العربية، للتوسط بين الطرفين.
تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار يوم 5 نوفمبر 1963، تُوّج لاحقًا بتوقيع اتفاق باماكو في 20 فيفري 1964، الذي نص على:
وقف الأعمال القتاليـــة،
إنشاء منطقة منزوعة الســـلاح،
تعيين مراقبين من الجانبيـــن،
تشكيل لجنة مشتركة لبحث مسألة الحـــدود
رغم ذلك، ظلّ الاتفاق مؤقتًا ولم ينهِ الخلاف جذريًا. ولم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي لترسيم الحدود إلا سنة 1972 بين الرئيس هواري بومدين والملك الحسن الثاني، غير أن المصادقة البرلمانية المغربية تأخرت حتى عام 1992.

النتائج والتداعيات
كانت حرب الرمال أول امتحان حقيقي لسيادة الجزائر كدولة فتية ووحدتها الترابية. وسقط خلالها نحو 800 شهيد جزائري دفاعًا عن الحدود الوطنية، لكنها في المقابل عززت تماسك الجبهة الداخلية، ورسخت قناعة بضرورة بناء جيش نظامي قوي.
وتكشف حرب الرمال أن التركة الاستعمارية في شمال إفريقيا لم تكن مجرد خطوط مرسومة على الخرائط، بل قنابل سياسية قابلة للانفجار في أي لحظة، يضاف إلى ذلك أنها بينت حقيقة النظام المغربي القائم على أطماع توسعية، بدليل أنه يرفض حتى اليوم تمكين الشعب الصحراوي من حق تقرير المصير..
ورغم أن الجزائر انتصرت دبلوماسيا وخرجت من النزاع متمسكة بسيادتها ووحدتها، إلا أن آثار الحرب استمرت طويلاً في الذاكرة المشتركة.