رواية “اللوكو” لرفيق موهوب.. حين كتب التاريخ فصله المجهول من “القصبة”
كنــزة سليمـــاني
في مدينة الجلفة، وتحديدًا من دار فهرنهايت، ولدت رواية جديدة تنفض الغبار عن صفحة منسية من تاريخ الجزائر العثماني. إنها “اللوكو”، الرواية الصادرة حديثًا للكاتب والإعلامي موهوب رفيق، التي تخترق جدار الزمن لتعيد تشكيل صورة أحد أبرز دايات الجزائر وأكثرهم إثارة للجدل: علي خوجة، المعروف بلقب “اللوكو”، أي “المجنون” بالإسبانية.
لكن أي جنون هذا؟ هل هو جنون الحلم، أم شطط السلطة، أم عبقرية رجل سبق زمنه؟
من خلال سردٍ مشبع بالدهشة وبأسلوب أدبي محكم، يغوص موهوب رفيق في يوميات هذا الحاكم الغامض، الذي كان موسوعي الثقافة، بارعًا في الدبلوماسية، عابرًا لحدود الإمبراطوريات، من أنقرة إلى مصر، حيث التقى بمحمد علي باشا. لم يصل علي خوجة إلى سدة الحكم صدفة، بل عبر متاهة من الدسائس والمؤامرات، كان فيها لاعبًا لا يُستهان به.
وخلال فترة حكمه القصيرة، قلب الموازين: أزاح الأتراك عن مواقع السلطة، وأشرك الجزائريين في تسيير شؤون البلاد، فأعاد هيكلة الحكم، وأسس أول نظام مالي حقيقي، وواجه الفساد الأخلاقي بصرامة غير مسبوقة. ومع كل هذا، عاش علي خوجة في رفاهٍ لم يعرفه من سبقوه، وازدهرت التجارة في عهده كما لم تزدهر من قبل.
الرواية لا تكتفي بسرد سيرة الحاكم، بل ترصد حياة الجزائريين في ميناء القصبة، وتقف على تفاصيل الحروب التي اجتاحت البلاد، وعلى لحظة القصف الإنجليزي التي حولت القصبة إلى رماد… قبل أن تنهض من جديد في ظرف عام، بقوة شعب لا يعرف الانكسار.
وفي مفاجأة روائية، يكشف موهوب رفيق سر لقب “اللوكو” الذي أطلقه بعض القناصل الأوروبيين على علي خوجة، لغرابة أطواره، ومزاجيته، وقسوته تجاه معارضيه. فقد كان يسير في موكب حراسة مهيب يضم 200 رجل، ونقل كنز الجزائر من القصبة السفلى إلى العليا عبر 400 بغل، وأعدم في يوم واحد 1500 من خصومه.
بهذه الرواية، يواصل موهوب رفيق مشروعه في إعادة قراءة التاريخ العثماني للجزائر، بعد روايته الأولى “منام ميت”، مقدّمًا سردية متزنة، لا تسبح في تمجيد الأتراك ولا في شيطنتهم، بل تسعى لكشف الإنسان خلف السلطان، والعقل خلف الجنون.
“اللوكو” ليست مجرد رواية… إنها مفتاح لدهاليز التاريخ، ونبشٌ في تراب الهوية، وسؤال معلق: هل كان علي خوجة مجنونًا فعلًا… أم أنه كان أعقل من أن يُفهم في زمانه؟.